سورة التوبة - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


الآية الثانية عشرة:
{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29)}.
{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ}: فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف.
{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29)} الجزية وزنها فعلة من جزى يجزي.
وهي في الشرع: ما يعطيه المعاهد على عهده.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور إلى أن الجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب.
وقال الأوزاعي ومالك: إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائنا من كان.
ويدخل في أهل الكتاب على القول الأول المجوس.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم.
واختلف أهل العلم في مقدار الجزية: فقال عطاء: لا مقدار لها وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه، به قال يحيى بن آدم وأبو عبيد وابن جرير إلا أنه قال: أقلها دينار وأكثرها لا حد له.
وقال الشافعي: دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء، وبه قال أبو ثور.
قال الشافعي: وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز، وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم.
وقال مالك: إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق الغني والفقير سواء، ولو كان مجوسيا، لا يزيد ولا ينقص.
وقال أبو حنيفة وأصحابه، ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل: إثنا عشر، وأربعة وعشرون، وثمانية وأربعون. والكلام في ذلك مقرر في مواطنه.
قال الشوكاني: والحق من هذه الأقوال ما قررنا في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا. انتهى.
وقد سبقه إلى ذلك السيد العلامة محمد الأمير برسالة مفردة في هذه المسألة وأحكامها سماها إفادة الأمة بأحكام أهل الذمة وأجاد فيها وأفاد، وتكلمنا على ذلك في شرحنا على بلوغ المرام فليرجع إليها.


الآية الثالثة عشرة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34)}.
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}: قيل: هم المتقدم ذكرهم من الأحبار والرهبان، وأنهم كانوا يصنعون هذا الصنع.
وقيل: هم من يفعل ذلك من المسلمين. والأولى حمل الآية على عموم اللفظ فهو أوسع من ذلك.
وأصل الكنز في اللغة: الضم والجمع، ولا يختص بالذهب والفضة.
قال ابن جرير: الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض، في بطن الأرض كان أو على ظهرها. انتهى.
واختلف أهل العلم في المال الذي أديت زكاته هل يسمى كنزا أم لا؟ فقال قوم: هو كنز، وقال آخرون: ليس بكنز. ومن القائلين بالقول الثاني عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وجابر وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، وهو الحق للأدلة المصرحة بأن ما أديت زكاته فليس بكنز، وإنما خصّ الذهب والفضة دون سائر الأموال بالذكر لأنها أثمان الأشياء وغالب ما يكنز، وإن كان غيرهما له حكمهما في تحريم الكنز.
{وَلا يُنْفِقُونَها}: كناية عن عدم أداء الزكاة ونحوها.
{فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34)}.


الآية الرابعة عشرة:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)}.
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً}: أي في حكمه وقضائه وحكمته، وذلك أن اللّه سبحانه لما حكم في كل وقت بحكم خاص، غيّر الكفار تلك الأوقات بالنسيء والكبيسة، فأخبرنا بما هو حكمه.
{فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ}: في هذه الآية بيان أن اللّه سبحانه وضع هذه الشهور، وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف، يوم خلق اللّه السموات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء، ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها، ويجعلون بعضها ثلاثين يوما، وبعضها أكثر، وبعضها أقل.
{مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}: هي ذو العقدة وذو الحجة ومحرم، ورجب، ثلاثة متواليات وواحد فرد، كما ورد بيان ذلك في السنة المطهرة.
{ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}: أي كون هذه الشهور كذلك، ومنها أربعة حرم، هو الدين المستقيم، والحساب الصحيح، والعدد المستوفى.
{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في هذه الأشهر الحرم، بإيقاع القتال فيها، وانتهاك حرمتها.
وقيل: إن الضمير يرجع إلى الشهور كلها، الحرم وغيرها، وأن اللّه نهى عن الظلم فيها، والأول أولى.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ بهذه الآية ولقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ} [المائدة: 2] ولقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5].
ويجاب عنه بأن الأمر بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيدة بانسلاخ الأشهر الحرم كما في الآية المذكورة، فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مقيدة بما ورد في تحريم القتال في الحرم، للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه.
وأما ما استدلوا به من أنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حاصر أهل الطائف في شهر حرام- وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما- فقد أجيب عنه أنه لم يبتد محاصرتهم في ذي القعدة بل في شوال والمحرم إنما هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم، لا إتمامه، وبهذا يحصل الجمع.
{وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}: أي جميعا وهو مصدر في موضع الحال.
قال الزجاج: مثل هذا من المصادر كعامة وخاصة، لا تثنّى ولا تجمع.
{كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} وفيه دليل على وجوب قتال المشركين، وأنه فرض على الأعيان، إن لم يقم به البعض.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7